تحليلات

الغرب يُصنف الربيع العربي ضمن “الذئاب المنفردة”

يمنات – محيط – حاتم خاطر 

اختلفت الأوساط الغربية في توصيفها لثورات الربيع العربي في "تونس" و"ليبيا" و"اليمن" و"مصر"، ففي الوقت الذي اعتبرها البعض تحولاً ديمقراطياً مهماً يؤرخ لعهد جديد على مستوى المنطقة العربية بأكملها، باعتبارها توفر أملاً على المدى البعيد في إرساء الديمقراطية، أبدى آخرون خوفهم وقلقهم منها، ولا سيما مع تزايد نفوذ الإسلاميين في المنطقة.

وتصوروا بأن هذا من شأنه فتح الطريق أمام الجماعات المتطرفة والمتشددة، وخاصة "تنظيم القاعدة" الذي يتواجد في عدد من دول شبه الجزيرة العربية والعراق؛ لمهاجمة المصالح الغربية، ولا سيما مع تقارب الاتجاهات الفكرية والأيديولوجية للأنظمة القائمة الحالية، حيث يخشى الغرب من تسلل قيادات سابقة من تنظيم "القاعدة" إلى مواقع القيادة السياسية، بما فيها السيطرة على مواقع الجهاز التشريعي والتنفيذي.

ويأتي ذلك بعد أن حذر مسئولون غربيون من أن تتحول الدول العربية التي شهدت انتفاضات الربيع العربي إلى أرض خصبة لتجنيد شبان من الغرب من قبل تنظيم القاعدة وتدريبهم لتنفيذ عمليات إرهابية في بلدانهم، في إطار ما أصبح متعارفاً عليه أمنياً بإستراتيجية "الذئاب المنفردة".

فمن جانبه، قال "جناثان إيفانز" (رئيس جهاز مكافحة التجسس البريطاني (أم أي 5)): "إن متشددي تنظيم القاعدة يستخدمون الدول التي أطاحت بزعمائها في انتفاضات الربيع العربي قواعد لتدريب شبان "راديكاليين" من الغرب على شن هجمات محتملة على بريطانيا".

كما أشار إلى أن عدداً ممن وصفهم بالجهاديين البريطانيين يشقون طريقهم إلى دول عربية للحصول على التدريب، وعلى فرص للقيام بنشاط عسكري مثلما يفعلون في "الصومال" و"اليمن" ليعود بعضهم إلى "بريطانيا" ويشكل خطراً عليها.

نظرية أمنية

ويقصد بظاهرة "الذئاب المنفردة" بأنها أحدث النظريات الأمنية في التعامل مع ملف الإرهاب الدولي، والتي تتحدث باختصار عن وجود جماعات صغيرة العدد أو حتى أفراد يعتنقون الأفكار الجهادية، ويرتبطون أيديولوجيًا بتنظيمات متشددة على غرار القاعدة، ويقومون بالتخطيط لعمليات إرهابية بصورة مستقلة، ووفقًا لمقتضيات الواقع والبيئة التي يعملون بها.

فبحسب تقرير لصحيفة لوفيجارو الفرنسية، جاء ظهور "الذئاب المنفردة" وزاد خطرها بعد مقتل زعيم القاعدة "أسامة بن لادن"، والذي أدى لتغير قواعد اللعبة (كما يرى "ماتيو جودير" – الباحث الفرنسي المتخصص في شئون الإرهاب).

وبالتالي تكمن مخاوف الغرب في أن تتحول أفريقيا إلى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة، حيث تنشط في القارة السمراء ثلاث مجموعات مسلحة على صلة بالتنظيم، هي "بوكو حرام" النيجيرية و"تنظيم القاعدة" في المغرب الإسلامي الموجود في شمال الصحراء الكبرى، وحركة "الشباب المجاهدين" الصومالية.

هواجس غربية

وترتبط الهواجس الغربية – حسب صحيفة "الجارديان" البريطانية – بـ4 مؤشرات، يأتي على رأسها وجود القاعدة العسكرية في "مالي"، والخوف من تداعيات الانقلاب والتمرد من قبائل الطوارق، في زيادة نفوذ تنظيم القاعدة في "المغرب"، ويتمثل المؤشر الثاني في موافقة الحكومة الانتقالية في "الصومال" على قيام "الولايات المتحدة" و"بريطانيا"، بشن هجمات عسكرية على أراضيها باستخدام طائرات بدون طيار، لاستهداف أنصار جماعة الشباب داخل الأراضي الصومالية في محاولة جادة لحصار "القاعدة" في "الصومال".

إلى جانب ذلك، يشير البعض إلى أن الأوضاع في كل من الدول الثورية، ولا سيما ليبيا، وما تشهده من حالة التراجع الأمني، وعدم القدرة في إحكام السيطرة على المناطق الشاسعة التي باتت منعزلة، قد تسهم بشكل أو بآخر في تهديد الغرب؛ وذلك إما عن طريق إمكانية تسلل "القاعدة" التي قد تجد في هذا المناخ فرصة جيدة لتكوين خلايا نائمة لمهاجمة القوات الغربية بحكم أيديولوجياتها الرافضة له، وإما عن طريق الأنظمة الإسلامية نفسها الحريصة على فرض هيمنتها بشكل يجعل الخلافة الإسلامية هي الأبرز في العالم.

 ومن ثم يعتبر المراقبون الغربيون أن الأسلحة الليبية التي كانت بحوزة "القذافي"، صارت إحدى المخاوف التي قد تجد طريقها إلى تنظيم القاعدة في المغرب العربي، كما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق.

ومن الجدير بالذكر، أن المخاوف الأساسية من قدرة التنظيم حالياً تتمثل في مدى قدرته على امتلاك قنبلة نووية من عدمه، ففي الوقت الذي تؤكد فيه بعض التحليلات أن التنظيم قادر على امتلاك الأسلحة النووية، تذهب التحليلات الأخرى إلى قدرته على امتلاك السلاح البيولوجي، ومن ثم قدرته على شن هجوم بيولوجي وهو الاحتمال الأقوى، والذي يلقى قبولاً لدى المحللين السياسيين والعسكريين على حد سواء.

وتؤكد التحليلات على أن الخطر الأكبر لذلك التنظيم يأتي من شبه الجزيرة العربية بعد أن تم إضعاف التنظيم في "باكستان"؛ لأن له فروعاً إقليمية في "العراق" وشمال أفريقيا و"اليمن" ما زالت في أوج قوتها.

مغبة الخطر

 وعن المؤشر الرابع الموجود في أفريقيا، فهو يتمثل في تصاعد المخاوف من حركة "بوكو حرام" الإسلامية النيجيرية – وذلك في ضوء تقرير للأمم المتحدة – والذي يشير إلى أن حركة "بوكو حرام" تعزز صلاتها بـ"القاعدة"، وغيرها من الحركات المسلحة في غرب أفريقيا، مما يثير مخاوف متنامية لدى حكومات المنطقة.

وبناءً على المؤشرات السابقة، تذهب الدوائر البحثية الغربية للتأكيد على أن مستقبل نماذج القاعدة في أفريقيا قابل للانتشار والزيادة، ولا سيما مع انتشار الفقر والبطالة والفساد مع مساندة أنصار الفكر المتشدد في بعض دول "الربيع العربي".

فيرى "مايكل جنكينز" – الباحث بالمركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية – أنه في ظل سيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور في دولهم، وزيادة نفوذ الجماعات المتطرفة، سيبقي الغرب في مغبة الخطر.

ومن ناحية أخرى، يرى المراقبون الغربيون أن الاضطرابات السياسية التي بدأت في "مصر" و"تونس"، فضلاً عن اشتعال القتال بين الميليشيات المحلية التي نجحت في هزيمة قوات "القذافي" في "ليبيا"، وتواصل الاحتجاجات في "سوريا"، إلى جانب  عدم وضوح الرؤية الخاصة بمستقبل "اليمن" في أعقاب تخلي "علي عبد الله صالح" عن السلطة، واستمرار الانقسام ما بين السنة والشيعة في "العراق"، واستمرار التوترات الطائفية والاحتجاجات السياسية في "البحرين"، من شأنها تهديد مستقبل الغرب بشكل سلبي.

تحليل متفائل

وبخلاف هذه التحليلات السابقة والمتشائمة من ثورات الربيع العربي، تظهر فرضيات متفائلة – رغم محدودية فرصها –  قائلة أن صعود العديد من التيارات الإسلامية على الساحة السياسية والإعلامية في الدول العربية، سيؤدي إلى سحب البساط من التيارات الراديكالية، والتي أصبح أمامها خيار الصعود السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع بديلاً عن التغيير العنيف بالقوة المسلحة، كما ترى أن عملية إدماج الإسلاميين في السياسة سوف تساهم في بروز اختلافات فكرية بين التيارات الإسلامية في تبني الآليات الغربية لممارسة الديمقراطية، بما سينعكس في ترسيخ قيم التعددية والاختلاف، ومن ثم خطابها الإعلامي، وسيؤدي إلى انخفاض حاد في عمليات القاعدة مع حالة الضعف الداخلي بعد غياب القيادة الروحية للتنظيم.

وفي نهاية الحديث، تبقى تلك التحليلات السابقة هي المسيطرة على أذهان معظم المحللين والمراقبين، فهل تصدق تنبؤاتها أم تبقى تكهنات مرحلية ساعية إلى إيقاف الدول الثورية عن أي طموح سعت إليه الشعوب العربية والإسلامية منذ القدم.

زر الذهاب إلى الأعلى